المرأة في أغاني سعد لمجرد .. تضحكيلي وتاخدي كام ؟!
بين الإعلان عن حفله المرتقب بالقاهرة، ثم إلغاء الحفل بعد ضغوط جماهيرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي عادت الأزمات الأخلاقية للمطرب المغربي سعد لمجرد لتتصدر المشهد مؤخرًا، خاصة وأن لمجرد المتهم في ثلاث قضايا اغتصاب حاول جاهدًا على مدار الأشهر الماضية أن يسدل الستار على سيرة تلك القضايا بتكثيف منتجه الفني حتى لو لم يحقق الأصداء الجماهيرية المتوقعة ولكنه على صعيد آخر حقق نسب نجاح “رقمية” عبر منصة يوتيوب وأخواتها .
بغض النظر عما قدمه سعد منذ إطلاق سراحة من سجن “دراجوينان” في ديسمبر 2018 ، إلا أن الملفت للانتباه سعي لمجرد نحو محو الصورة السلبية في البداية بطرح أغاني ذات طابع انساني تحمل أفكار فضفاضة عن الانسانية مثل أغنية “سلام” وأغنية ذات طابع وطني مثل “معاك ياملكنا” التي أهداها إلى ملك المغرب محمد السادس، ولكن ثمة تحول طفيف حدث في نظرته للمرأة في أغنية “يخليك لي لي “.
كلمات رومانسية هادئة حققت مشاهدات كبيرة متجاوزة 100 مليون مشاهدة على يوتيوب، ولكنها لم تكن متوافقة مع المزاج المسيطر على غناء سعد لمجرد، أو بمعنى أدق صورة المرأة في أغنياته، والتي بلغت وضوحها التام في جملة ” تضحكيلي وتاخدي كام” التي ألقاها في “عدى الكلام” آخر أغنياته وأولها باللهجة المصرية، والتي أعطت المستمع انطباعًا بأننا أمام علاقة “مشبوهة” في طور اتفاق على قارعة طريق.
من تابع جيدًا بدايات سعد لمجرد سيكتشف أننا كنا أمام مشروع مطرب رومانسي تقليدي جدًا، حتى أنه لم يلفت الأنظار كمتسابق في برنامج “سوبر ستار” عام 2007 ، وبعدها بعامين أطلق اولى أغنياته “واعديني” والتي كانت انعكاس واضح لرؤية لمجرد للأغنية في ذلك الوقت، لم يمتلك شخصية فنية واضحة، وظل متأرجحًا بين أغنيات رومانسية هادئة وأخرى تتماس مع إيقاعات “البوب المغربي” قبل ثورة السوشيال ميديا والتطبيقات والمنصات التي منحت سعد بعد عدة سنوات الفرصة ليقدم نفسه بصورة أقوى في أغنية “سالينا” عام 2012 والتي بدأ معها صياغة شخصية فنية تخاطب المرأة والحب بصورة نقدية لاذعة .. وهنا مربط الفرس .
لا أريد التورط في الربط التام بين شخصية سعد لمجرد وأفكاره الإنسانية، وبين مايطرحه في أغنياته ، ولكن القاعدة تقول أن هناك تماس دائم بين أفكار الفنان الإنسانية والفنية ، حتى لو لم يقصد التعبير عنها فعقله الباطن سيميل لنقلها وستفرضها ذائقته.
عكس لمجرد نظرته القاسية للمرأة عندما غنى لها “انتي باغية واحد يكون دمه بارد” في أغنيته الشهيرة “انتي” التي حققت نجاحا مدويًا في الخليج العربي عام 2014، حتى أن سعد فتح سوقًا للحفلات هناك دون أن يملك رصيدًا فنيًا كافيًا لتقديمه على المسرح.
عقب هذا النجاح قفز لمجرد إلى فكرة أخرى وهي الغزل المصحوب بمواصفات ذكورية، لم يطرح لمجرد في أغنيته الأنجح على الإطلاق “المعلم” تصورًا واضحًا للمخاطب بهذه الصفة وماتلاها من إشادات، فللوهلة الاولى ستظن انه يغني لرجل عندما يقول : “انت معلم واحنا منك نتعلم .. نسكت وانت موجود مانرضى نتكلم ” .
ثم يقفز الى نقطة قد تلائم مخاطبة المرأة أكثر وإن كانت عجيبة بعض الشيء عندما قال : “تستاهل طيارة لا طيارة شوية عليك” ، هنا نتوقف أمام نظرة مادية بحته لتقييم الحبيب، وكأن ثريًا خليجيًا يخاطب محبوبته فيهديها طائرة أو يختًا مذكرًا المستمع بإفيه محمد هنيدي الشهير “عطه يخت” في فيلمه “يا أنا ياخالتي” .
سيطرت حالة الفراق واعلان عدم الندم على أغنيات سعد لمجرد الرومانسية ليُصدر صورة الرجل القوي للمستمع والمشاهد في أغنيات مثل ” ياحب ياحب” التي اعلن فيها بوضوح أن الحبيبة مجرد عذاب وهم يجب الخلاص منه .
بمنطق مشابه قرر لمجرد أن يطرح صورة أخرى أيضًا للحبيب القوي أو الشاب الغامض – الواد اللي مقطع السمكة وديلها- في أغنيته ” أنا ماشي ساهل” أي باللهجة المصرية “أنا مش سهل” ، وهي تذكرك من عنوانها بأغنية حماقي “في حاجات” التي استخدم فيها مصطلح “انا مش سهل سماوي والله “، ولكن حماقي طرح الفكرة بشكل خالي من الذكورية الواضحة التي رسخها لمجرد في اعتباره فائزًا بمعركته مع المرأة .
الأغنية عكست لهجة ذكورية قاسية حول علاقة رجل بامرأة ترفض أفكاره وقناعاته فيباغتها بهجوم يحمل اسقاطات اخلاقية على معتقداتها وأفكارها وامتدت لاتهامها بالخداع وربما الخيانة منتقصًا من “ذكورة” من يقبل ذلك .
إلا أن أكثر الأغنيات التي قد تبدو معبرة عن شخصية سعد لمجرد فهي أغنية “نجيبك نجيبك” والتي تعامل فيها مع حبيبته كفريسه وهو الصياد حتى أن كاتب الأغنية محمود برحيل كتب كوبليها صريحًا في تعبيره ” تهرب تبعد لبعيد طير .. أو تنزل قريب نصيبك”، حالة عكست رغبة في المطاردة والصيد تفوح منها ذكورية صريحة .
حتى عندما قدم لمجرد دويتو “انساي” مع محمد رمضان والذي يعتبر دويتو “انقاذ لمجرد” خرج العمل بصبغة ذكورية واضحة على كل المستويات، واجتر صورة المرأة الخائنة الجشعة المحبة للمال التي تركت الحبيب في فقرة وعادت له في ثراءه فقال لها بوضوح ” انسيني يلا باي” .
لا شك أن الثقافة الشرقية بمفهومها الذكوري صورت المرأة في الغناء تحديدًا بصور مادية بحتة، بداية من الغزل الجسدي الواضح والصريح، ووصولًا إلى الانتقاص الفكري وربما الأخلاقي، ومن هذه القاعدة الشعبية انطلق لمجرد ليخاطب شرائح كبيرة من مستمعي موسيقى “البوب” العربية، لغة متماشية تمامًا مع الوعي الجمعي الشعبي لأبناء سوق “درب غلف” في كازابلانكا ومستمعي المهرجانات في أفراح “المطرية” بالقاهرة.