منوعات وترفيه

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا

 سورة الكهف
قوله تعالى الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كڈبا .

علم الله جل وعلا عباده في أول هذه السورة الكريمة أن يحمدوه على أعظم نعمة أنعمها عليهم وهي إنزاله على نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم الذي لا اعوجاج فيه بل هو في كمال الاستقامة أخرجهم به من الظلمات إلى النور . وبين لهم فيه العقائد والحلال والحرام وأسباب دخول الجنة والڼار وحذرهم فيه من كل ما يضر.هم وحضهم فيه على كل ما ينفعهم فهو النعمة العظمى على الخلق ولذا علمهم ربهم كيف يحمدونه على هذه النعمة الكبرى بقوله الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب الآية 18 1 .

وما أشار له هنا من عظيم الإنعام والامتنان على خلقه بإنزال هذا القرآن العظيم منذرا من لم يعمل به ومبشرا من عمل به ذكره جل وعلا في مواضع كثيرة كقوله ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما 4 174 وقوله أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون 29 51 وقوله إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين 27 76 77 وقوله وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين 17 82 وقوله قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء الآية 41 44 وقوله تعالى إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 21 106 107 وقوله وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك الآية 28 86 ص 192 وقوله ثم أورثنا الكتاب الذين

اصطفينا من عبادنا فمنهم ظا.لم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 35 32 .
وهو تصريح منه جل وعلا بأن إيراث هذا الكتاب فضل كبير والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ولم يجعل له عوجا 18 1 أي لم يجعل في القرآن عوجا أي لا اعوجاج فيه ألبتة لا من جهة الألفاظ ولا من جهة المعاني أخباره كلها صدق وأحكامه عدل سالم من جميع العيوب في ألفاظه ومعانيه وأخباره وأحكامه لأن قوله عوجا نكرة في سياق النفي فهي تعم نفي جميع أنواع العوج .

وما ذكره جل وعلا هنا من أنه لا اعوجاج فيه بينه في مواضع أخر كثيرة كقوله ولقد ضر.بنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون 39 27 28 وقوله وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم 6 115 . فقوله صدقا أي في الأخبار وقوله عدلا أي في الأحكام وكقوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا 4 82 والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .

وقوله في هذه الآية الكريمة قيما أي مستقيما لا ميل فيه ولا زيغ وما ذكره هنا من كونه قيما لا ميل فيه ولا زيغ بينه أيضا في مواضع أخر كقوله لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة 98 1 وقوله تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الآية 17 9 وقوله وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين 10 37 وقوله الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 1 2 وقوله الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير 11 1 وقوله ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء
من

عبادنا 42 52 إلى غير ذلك من الآيات .
ص 193 وهذا الذي فسرنا به قوله تعالى قيما هو قول الجمهور وهو الظاهر . وعليه فهو تأكيد في المعنى لقوله ولم يجعل له عوجا 18 1 لأنه قد يكون الشيء مستقيما في الظاهر وهو لا يخلو من اعوجاج في حقيقة الأمر ولذا جمع تعالى بين نفي العوج وإثبات الاستقامة . وفي قوله قيما وجهان آخران من التفسير 

الأول أن معنى كونه قيما أنه قيم على ما قبله من الكتب السماوية أي مهيمن عليها وعلى هذا التفسير فالآية كقوله تعالى وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه الآية 5 15 .
ولأجل هيمنته على ما قبله من الكتب قال تعالى إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون الآية 27 76 وقال قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين 3 93 وقال ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب الآية 5 15 .

الوجه الثاني أن معنى كونه قيما أنه قيم بمصالح الخلق الدينية والدنيوية . وهذا الوجه في الحقيقة يستلزمه الوجه الأول .
واعلم أن علماء العربية اختلفوا في إعراب قوله قيما فذهب جماعة إلى أنه حال من الكتاب وأن في الآية تقديما وتأخيرا وتقريره على هذا أنزل على عبده الكتاب في حال كونه قيما ولم يجعل له عوجا ومنع هذا الوجه من الإعراب الزمخشري في الكشاف قائلا إن قوله ولم يجعل له عوجا 18 1 معطوف على صلة الموصول التي هي جملة أنزل على عبده الكتاب والمعطوف على الصلة داخل

في حيز الصلة فجعل قيما حالا من الكتاب يؤدي إلى الفصل بين الحال وصاحبها ببعض الصلة وذلك لا يجوز وذهب جماعة آخرون إلى أن قيما حال من الكتاب وأن المحذ.ور الذي ذكره الزمخشري منتف وذلك أنهم قالوا إن جملة ولم يجعل له عوجا ليست معطوفة على الصلة وإنما هي جملة حالية . وقوله قيما حال بعد حال

وتقريره أن المعنى أنزل على عبده الكتاب في حال كونه غير جاعل فيه عوجا وفي حال كونه قيما . وتعدد الحال لا إشكال فيه والجمهور على جواز تعدد الحال مع اتحاد عامل الحال وصاحبها كما أشار له في الخلاصة بقوله 
والحال قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم وغير مفرد
ص 194 وسواء كان ذلك بعطف أو بدون عطف فمثاله مع العطف قوله تعالى أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين 3 39 ومثاله بدون عطف قوله تعالى ولما رجع موسى إلى قومه ڠ,,ضبان أسفا الآية 7 150 . وقول الشاعر

زر الذهاب إلى الأعلى