اخبار الفن

الوثائقي “يوسف إدريس” .. البحث عن أسئلة النوع | رأي

دشنت قناة الوثائقية فيلمها الأحدث في شهر مايو عن الكاتب المصري الكبير الدكتور يوسف إدريس ذو الإسهام اللافت والعريض في تاريخ القص العربي المعاصر.وهو أيضا ابن محافظة الشرقية، والطبيب الذي استلهم من سنوات نيابته كثيرا من قصصه، والذي ملئ الدنيا إبداعا وصخبا أزعج الكثيرين وأرهق قلبه. يأتي الفيلم بتوقيع المخرج أحمد زكريا والذي أعلن عبر صفحته على Facebook عن إذاعة فيلمه منوِّهـا أنه من نوع Talkumentary . ليثير في ذهننا أسئلة حول هذا النوع الفيلمي.وليُـرجِـع لذاكرتنا فيلما آخـر للمخرج التسجيلي الفنان خالد النساج عن تاريخ الإذاعة المصرية لم يستخدم فيه التعليق الصوتي قط لسرد أي من المعلومات في الفيلم واعتمد فيه فقط على شهادات ضيوفه الذين تولوا هـم زمام السرد ليخرج فيلمه وافيا مسبوكا دون الحاجة لتعليق صوتي. لكننا في الوثائقي إدريس نصادف صوت المذيع حسن الشاذلي معلقا ومفسرا للكثير من مواقف المبدع الكبير. لنتسائل لمَ عسى زكريا أن يصف فيلمه بتلك السمة. هل لإستنطاقه ضيوفه لقراءة مقاطع من أدب إدريس؟ حيث عاينَّـا استشهادات الضيوف من كتب إدريس وقد قرأوها قبل أن يتناولونها بالنقد والتحليل. وبقليل من التدبر في المصطلح الذي استخدمه زكريا نفهم أنه نوعا فيلميا قوامه الحديث Talkumentary، أو الكلام بشكل أقرب لقالب الـTalkshow أو “المكلمة” وإن اتخذت منحىً تسجيليا.قناة الوثائقيةبهذه الإشارة يتهيئ المُـشاهد لفيلم سيسمعه أكثر من أن يشاهده، لكن المشاهد لن يستطيع الإشاحة بنظره عن الشاشة مع هذا الوثائقي نظرا للجهد الفني المبذول والواضح في بناء الفيلم وتنفيذه. مما يجعلنا نراجع تصنيف المخرج الذي ألصق بفيلمه صفةً هو منها بريء.صناع مبدعونتنبع جاذبية الفيلم من تكامل عناصره الفنية بدءا من الكتابة والإعداد للباحث والمعد التليفزيوني رضوان آدم، والذي يعد من القليلين الذين يكتبون للشاشة الصغيرة بشكل واعٍ بحدود الوسيط التليفزيوني وأحد البارعين في كتابة البرامج ناقصة النص. يسمح إعداد آدم بإلتماع مصادره الذين تم استضافتهم بالفيلم والذي كان من بينهم الكاتب الكبير محمد المخزنجي -عزيز الظهور في الأحاديث الإعلامية- مما شكّـل مفاجأةً لطيفة للجمهور. شارك المخزنجي كل من الروائية الكبيرة سلوى بكر والروائي القدير د. إيمان يحي ود. أحمد عمر مدرس الفلسفة بجامعة جنوب الوادي في استعادة عالم إدريس الروائي ورسم ملامحه وبيان روافد تكوينه. وتولى الروائي والناقد د. شريف صالح تحليل بعض من قصصه وبيان جاذبية أدبه للإلتقاط السينمائي. في حين أخذنا الكاتب الصحفي والروائي أشرف عبد الشافي في جولة لخفايا وكواليس معارك إدريس مقتربا من فضاء النقد الثقافي وهو من أكثر المحاور ألقا فنيا بالفيلم. لا ينس آدم إسباغ صفة الحميمية والقرب على هذا الوثائقي عبر استضافة إثنين من أبناء المبدعين د. أسماء يحي الطاهر عبد الله ود.سامح يوسف إدريس، حيث توضح د. أسماء أحد أهم سمات أدب إدريس في تناوله للقضايا الشائكة، وأيضا تحكي بحكم القرابة قصة إلتقاء أبيها وصدامه الأول مع إدريس ثم تحولات العلاقة بينهما. في حين كشف د.سامح يوسف إدريس جوانب إنسانية من حياة والده ورهاناته في الحياة ووعيه المبكر بموهبته الكبيرة.جاد وجديدلا ينفصل الفنان عن واقعه (أو هكذا نأمل) يفاجئنا الفيلم برهان جمالي وإبداعي جديد ومبتكر، حين يقترح المونتير الجسور الفنان محمد عبد الهادي الاستعانة بتقنية الذكاء الإصطناعي لتنفيذ بعض من اللوحات المستخدمة بالفيلم، في سابقة رائدة في الإنتاج الوثائقي العربي والمصري (على حد علمي)، ولا يُـشـكِّـل هذا الخيار الفني خيانة لفن الوثائقية مادام تمت الإشارة إليه في تترات الفيلم وعلى لسان صناعه. وربما أشار أيضا إلى اهتمام صناع العمل وعنايتهم القصوى بالصورة المرئية واتخاذ كافة السُـبل لإمتاع وإفادة مشاهديهم. خاصة حين يتصدون لإنجاز فيلمٍ حول شخصية مثل يوسف إدريس حيث لا يبتعد تاريخه الشخصي ومنجزه الأدبي عن ذاكرتنا، فلم تزل معاركه التي أثارها في حياته حاضرة ببعض شخوصها أو شهودها أو حتى بإستمرار معايشتنا للقضايا التي أثارتها، ما يشكل تحديا في تناول هذه الشخصية. فيلم يوسف إدريستعرض الفيلم لأزمات هامة واجهها أو أحدثها إدريس نفسه، وأماط الفيلم اللثام عن دوافع تصرفاته، هل لمز إدريس أديب نوبل وظن أنه أحق من نجيب محفوظ بها؟ هل استعدى إدريس الداعية الشيخ محمد الشعراوي لموقفه من النكسة؟ هل قبل إدريس جوائز عربية مشبوهة المصدر؟؟ لا يقدم الفيلم دفاعا عن إدريس في أي من معاركه تلك؛ بل يقدم ويُـشرِّح دوافعه ويحلل سلوكه في لحظته التاريخية، فيقدم فهما أوسع وأعمق لتلك الشخصية الثرية. وبذلك ينجح الفيلم في تقديم رؤية موضوعية ليوسف إدريس، فلا يصير وثائقي مناقب يعدد المزايا والمآثر للمبدع الراحل؛ بل يقدم تناول منصف لمسيرة أحد أهم أعلام الثقافة والفن المصريين.البحث عن نسب فنيتشكل الوثيقة قوام الفيلم التسجيلي ويعتمد عليها بشكل كبير، ومن التحديات الكبرى التي يواجهها التسجيلون هو الاستخدام الإبداعي للوثائق مكفولة الحقوق. لنجد قصاصات الجرائد والمجلات والأحاديث المتلفزة والمسامع الإذاعية والتسجيلات الشخصية وغيرها من أدلة إبداعية يتألف الفيلم من اجتماعها، وليظهر الجهد المميز للباحث الأستاذ أيمن عثمان في جهده الأرشيفي بالفيلم. بخلاف توفيق التصوير وكافة العناصر الفنية الأخرى بالفيلم بإدارة مقتدرة من مخرج العمل الذي يصر على تصنيف فيلمه.في البدء كان الإبداع ثم جاء التنظير. يرى الفنان أحمد زكريا مخرج الوثائقي أنه فيلم Talkumentary يعتمد على الحديث، يؤطَـر نقديا لعمله الإبداعي ويعاجله بالتأسيس النظري. ونذكّـره أنه ليس مُـهِـما ما تقوله؛ بل الأهـم هو كيف تقوله، ونستعين بمقولة المفكر والمنظِّـر الجمالي “جورج سانتيانا” بأن المعالجة والطرح الفني -لا الموضوع- هما لب الدراما والتي تمتع بها بناء فيلمه، فالإيقاع الرشيق والذرى المتنامية والأزمات والحلول التي تمتع بها هذا الوثائقي.. كل هذه العناصر أمّنت لنا متابعة حيوية ورائقة في آنٍ. وعلى الرغم من ثراء الشخصية ووفرة المعلومات وحدة الصراعات فإننا لم نلهث وراء سرده، بل تسلل لوجداننا في دعـةٍ وأنـاةٍ. لو كان فيلما يعتمد على الحديث فقط لما تابعناه بكل اهتمامٍ ولجعلناه حلفية لأنشطة موازية قد يقوم به المشاهد التليفزيوني، لكنه أقام رابطا عقليا ووجدانيا مع مشاهده ألزمه بالمتابعة نحو الساعة إلا قليلا دون تشتت وبتركيز عالٍ.زكريا الحاصل على بكالوريوس إعلام قسم صحافة عمل كمخرج تقارير في قنوات MBC1 – ONTV والقناة الأولى –التطوير- وعدة قنوات أُخـر، ويعمل مخرجا تسجيليا منذ 2021 وساعد المخرج الكبير تامر محسن في فيلمه التسجيلي. وقدم مؤخرا على شاشة القناة الوثائقية فيلما شديد السبك والصقل الفنيين يبحث له على مظلة فنية يظله بها. ويدفعنا بتصنيفه هذا للتفكير في النوع الفيلمي للإنتاج التسجيلي في القنوات التليفزونية الوثائقية والذي لا يخرج في الغالب عن أشكال فنية محددة كالريبورتاج والتحقيق والفيتشر، وربما اتجه أحيانا نحو انتاج الدوكيودراما وهو ما تميزت به قناة الوثائقية التي أخلصت لإنتاج هذه النوعية من الأفلام منذ أن تم تدشينها في 19 فبراير 2023.اقرأ أيضا:#شرطة_الموضة: رزان مغربي بفستان أحمر يبرز نحافتهاأحمد السبكي لبيومي فؤاد في تكريم المركز الكاثوليكي: واخد مني 800 ألف جنيه امبارحأنغام ترد على فيديو تجاهلها لزينة عماد في حفل “روائع الموجي”حمادة هلال يعتذر لجمهوره عن المشاركة في تريند “عبستك إزاي” لحسن شاكوشلا يفوتك: تحليل النغمات مع عمك البات- تقييم أغنية “الحفلة” لعمرو ديابحمل آبلكيشن FilFan … و(عيش وسط النجوم) جوجل بلاي| ستور| آب جاليري|

زر الذهاب إلى الأعلى